top of page

(60)EU Court of Justice and EPPO’S Decisions

منذ 5 أيام

14 min read

0

0

0

EU Court of Justice and EPPO’S Decisions

محكمة العدل للاتحاد وقرارات المدعى العام الاوروبى

مقدمة

1- اصدرت محكمة العدل للاتحاد الاوروبى يوم 8 ابريل 2025 حكما فى دعوى احيلت اليها من احدى المحاكم الاسبانية وتخص القرارات الاجرائية الصادرة عن "مكتب المدعى العام الاوروبى" (  European Public Prosecutor’s Office {EPPO})[1] وبشكل خاص فيما يتعلق بالرقابة القضائية على تلك القرارات. ونظرا لاهمية الدعوى وابعادها بالغة الحساسية فقد تناولتها المحكمة عبر تشكيل خاص يعرف باسم "الهيئة الكبرى (Grand Chamber) والتى تضم 15 قاضيا، منهم رئيس ونائب رئيس المحكمة، علما بان التشكيل المعتاد لغالبية الدعاوى هو من 3 الى 5 قضاة.

2- مكتب المدعى العام الاوروبى هو هيئة مستقلة للاتحاد دورها يتركز فى حماية ميزانية الاتحاد والملاحقة القضائية للجرائم التى تمس المصالح المالية للاتحاد عبر اجراء التحقيقات و تحريك الدعاوى، و اصدار قرارات اتهام ضد متهمين بالاعتداء على ماليات تعود الى الاتحاد، ومن اهم مهامه فى تلك الدعاوى تولى دور الادعاء فى المحاكم الوطنية بالدول الاعضاء المنضمة الى اتفاقية انشاء المكتب.

3- المكتب يتشكل على مستويين اثنين: اولا، المستوى المركزى ويشمل المدعى العام الاوروبى الرئيسى، ومقره لوكسمبورج، وعدد من المدعين العامين المساعدين، والمستوى غير المركزى( الوطنى) ويتشكل من مدعين اوروبيين مفوضين فى الدول اعضاء المكتب (24 دولة عضو حاليا). فى نهاية تحقيقات المكتب تتولى المحاكم الوطنية اجراءات المحاكمة.

الموضوع:

1- الدعوى هى احالة لحكم تمهيدى الى محكمة العدل للاتحاد الاوروبى من "المحكمة المركزية للتحقيقات الاولية الاسبانية" بتاريخ 26 ابريل 2023 طرحت من خلالها عدة استفسارات لتستند على رد المحكمة الاوروبية عليها فى نظرها للدعوى المعروضة امامها. 

2-الدعوى المنظورة امام المحاكم الاسبانية تخص احدى الشركات كانت قد حصلت عبر مديرى الشركة

 السيد ( I.R.O  ) و (F.J.L.R ) على دعما ماليا من الاتحاد الاوروبى لتنفيذ احد المشروعات. قام المكتب الاوروبى لمحاربة الغش والاحتيال (OLAF: Office européen de lutte antifraude )[2] باخطار النائب العام الاسبانى ان نفقات باحثين اثنين تعاقدت معهما الشركة (Y.C و  I.M.B ) فى اطار تنفيذ المشروع المذكور غير مبررة بالقدر الكاف.

2- قام مكتب النائب العام الاسبانى بتحريك دعوى غش واحتيال ضد مديرى الشركة امام "محكمة الدرجة الاولى والتحريات الاولية" الاسبانية والتى اطلقت التحقيقات الجنائية ضد احد المديرين (I.R.O ) فى 20 ابريل 2021 واستدعت المحكمة فى تحقيقاتها احد الباحثين (Y.C ) للشهادة.

3- انتقال التحقيقات والتحريات الى الجانب الاوروبى: اصدر المدعون الاوروبيون المفوضون المتابعون للموضوع فى اسبانيا فى 26 يوليو 2022 قرارا بسحب التحقيقات والتحريات من السلطات الاسبانية الى الجانب الاوروبى عبر استخدام هذا الحق الممنوح لهم (Right of Evocation)[3] وفق قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى وقاموا فى 22 و 25 اكتوبر 2022  وعلى التوالى باستدعاء مديرى الشركة ( IRO و   F.J.L.R) و اخطارهما بانهما محل تحقيقات وتحريات تخص الغش والاحتيال وتزوير مستندات وفق المواد المعنية فى القانون الاسبانى، ثم قاموا فى 2 فبراير 2023 باصدار قرار باستدعاء الباحثين المذكورين (Y.C و I.M.B) للمثول امامهم بصفة شهود.

4- فى7 فبراير 2023 واستنادا على القانون الاسبانى المعنى تقدم المحامون عن مديرى الشركة بطعن امام مكتب المدعى العام الاوروبى على قرار استدعاء احد الباحثين (Y.C. ) بصفة شاهد على اعتبار ان هذا الباحث سبق له الشهادة امام "محكمة الدرجة الاولى والتحريات الاولية" الاسبانية وان شهادته الجديدة ليست ذات مغذى او فائدة ولا ضرورة لها. فى 8 فبراير 2023 تم احالة هذا الطعن الى "المحكمة المركزية للتحقيقات الاولية" الاسبانية وهى المحكمة الاشرافية فى مثل هذه الدعاوى.

التحرك نحو محكمة العدل للاتحاد الاوروبى[4]

لدى نظر الطعن المحال اليها ابدت "المحكمة المركزية للتحقيقات الاولية" الاسبانية تقديرها بضرورة اللجوء الى محكمة العدل للاتحاد الاوروبى بطلب تفسير لقانون الاتحاد الاوروبى المنشأ لمكتب المدعى العام الاوروبى لكى تتمكن من من تقدير اثار القانون فيما يتعلق بولاية هذه المحكمة الاشرافية فى ممارسة الرقابة القضائية على بعض القرارات الاجرائية للمكتب التى تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة. واشارت الى الملاحظات التالية:

1- ان مواد القانون الاسبانى المعنية بالرقابة القضائية على القرارات الاجرائية للمكتب تحصر تلك الرقابة فى الحالات المصرح بها نصا فى القانون والمدرجة على قائمة خاصة و نظرا لان استدعاء الشهود ليست من تلك الحالات فانه لا يجوز الطعن امام هذه المحكمة الاشرافية على القرار الصادر من المكتب فى 2 فبراير 2023 باستدعاء الباحثين المذكورين بصفة شهود، وتقدير المحكمة بان غياب تلك الرقابة فى القانون الاسبانى يمكن ان يشكل قيدا غير مبرر على الحقوق الممنوحة للمواطنين وفق قانون الاتحاد الاوروبى، اخذا فى الاعتبار مبدئى "المعادلة" و "الفاعلية"(Equivalence and Effectiveness) [5].

3- مبدأ المعادلة: مثل هذه الدعوى ان كانت محل تحقيق من قاضى تحقيق اسبانى( و هو المقابل للمدعى العام الاوروبى على المستوى الوطنى)، لتوافر وفق احكام الاجراءات الجنائية الاسبانية الحق فى الطعن على قرارات قاضى التحقيق امام القاضى صاحب القرار وكذلك فيما بعد امام محكمة اعلى. من هنا ترى المحكمة الاشرافية وجود اخلال بمبدأ المعادلة نظرا لعدم توافر هذا الخيار فى حالة قرارات المدعى العام الاوروبى.

4- مبدأ الفاعلية: القانون الاسبانى يقصر الرقابة القضائية على قرارات المدعين المفوضين الاوروبيين المدرجة فى قائمة محددة، وهو فى رأى المحكمة الاشرافية قيدا على هذه المحكمة واعتداء على الرقابة القضائية الفعالة والحق فى الدفاع المنصوص عليه فى قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى وهى حقوق مرجعها ميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد (الميثاق)[6] والقيم التى يقوم عليها الاتحاد ذاته.

5- ان المادة 42 (1) من قاعدة انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى تصرح بالرقابة القضائية على القرارات الاجرائية للمكتب التى تنتج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة وترى المحكمة الاشرافية ان هذه هى الحالة بالفعل لقرار 2 فبراير 2023 المذكور. من الاطراف الثالثة التى قد يتأثر موقفها القانونى بالشهادة الشهود ذاتهم عبر ادلائهم بمعلومات قد تورطهم بشكل او بآخر فى الجريمة محل التحقيق، خاصة فى ضوء عدم وجود نص بلائحة الاجراءات الجنائية الاسبانية حول توفير محامين للشهود اثناء الادلاء بالشهادة، كما ان شهادة الباحثين المذكورين تنتج بلا شك اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة اخرى هما مديرى الشركة محل التحقيقات فى الدعوى.

6- مبدأ التعاون الصادق ( Sincere Cooperation )[7]: تقدير المحكمة الاشرافية ان الحقوق التى يمنحها القانون الاتحاد عبر قاعدة انشاء المكتب هى جزء من آلية هدفها الاساسى محاربة الغش والاحتيال والتهرب الضريبى داخل الاتحاد، وبالتالى و وفق مبدأ التعاون الصادق فهناك مصلحة مشروعة واسباب ودوافع قوية من الصالح العام بعدم افراغ ذلك القانون من مضمونه.

الاستفسارات المحالة الى محكمة العدل للاتحاد الاوروبى

استنادا على ما سبق قررت المحكمة المركزية للتحقيقات الاولية الاسبانية تعليق نظر الدعوى واحالة 4 استفسارات الى  محكمة العدل التى استبعدت واحد منها لعدم علاقته المباشرة بالدعوى وقبلت الثلاثة التالية:

1- هل المادة 42 (1)[8] يمكن ان تفسر على نحو انها تستبعد الرجوع الى احكام قانون محلى لا يتضمن المراجعة القضائية لقرار اجرائى لمكتب المدعى العام الاوروبى ينتج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة، مثلما هو الحال بالنسبة لقرار المدعى العام الاوروبى المفوض فى 2 فبراير 2023 باستدعاء الشاهدين فى الدعوى المنظورة هنا.

2- هل الفقرة الفرعية الثانية من المادة 19(1)[9] معاهدة الاتحاد الاوروبى  والمادة 86 (3)[10] معاهدة نظام عمل الاتحاد يمكن تفسيرها على نحو انها تستبعد الرجوع الى منظومة رقابة قضائية، من النوع المعمول به فى اسبانيا بالنسبة لقرارات المدعى العام الاوروبى المفوض، والتى لا توفر الرقابة القضائية على قرار صادر من المدعى العام الاوروبى المفوض خلال ممارسته لسلطاته التحقيقية والذى لا يكون له نظير فى قائمة الحالات التى تسرى عليها الاحكام الاجرائية الوطنية التى تنظم الحق فى الطعن على قرارات صادرة من قضاة فى اطار ممارستهم لسلطاتهم التحقيقية.

3- هل المادة 2 من معاهدة الاتحاد الاوروبى[11]  اتصالا بالحق فى الحماية القضائية الفاعلة و المحاكمة العادلة وفق المادة 47 من الميثاق يمكن تفسيرها على نحو انها تستبعد الرجوع الى منظومة رقابة قضائية على قرارات المدعى العام المفوض تقوم على قصر الحالات التى يمكن فيها توفير حق الطعن على القرارات فى عدد مغلق من الحالات مثلما هو الحال فى المنظومة القضائية الاسبانية.

استعراض محكمة العدل للاستفسارات

ركزت محكمة العدل للاتحاد الاوروبى فى تناولها لمعطيات الدعوى على النقاط التالية:

خلاصة استفسارات المحكمة الاسبانية

 خلاصة استفسارات المحكمة الاسبانية هى ان كانت المادة 42 (1) للقاعدة المنشأة والمنظمة لعمل المكتب المدعى العام الاوروبى عبر قراءتها فى ضوء الفقرة الفرعية الثانية للمادة 19 (1) معاهدة الاتحاد الاوروبى، والمواد 47 و48 من الميثاق[12] ومبدئى المعادلة والفاعلية، يجب تفسيرها على نحو انها تستبعد الرجوع الى قانون وطنى يكون بموجبه افراد محل تحقيقات وتحريات من المدعى العام الاوروبى المفوض غير مصرح لهم الطعن مباشرة امام المحكمة الوطنية المعنية على قرار صادر منه، فى اطار ما يقوم به من تحقيقات، باستدعاء شهود.

توزيع الادوار بين المحاكم الوطنية ومحاكم الاتحاد الاوروبى

1- وفق قاعدة انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى تدخل ضمن اختصاصاته ومسئولياته اجراء التحقيقات، توجيه الاتهامات والاحالة الى القضاء لمرتكبى مخالفات جنائية تؤثر على المصالح المالية للاتحاد. كما يلعب فى هذا الصدد دور الادعاء فى المحاكم المعنية فى الدول الاعضاء خلال نظر الدعوى وحتى صدور الحكم، ويتولى هذه المهام فى الدول الاعضاء المدعين العامين المفوضين وذلك بالانابة عن المكتب الرئيسى. ونصت المعاهدات على ان مشرع الاتحاد يحق له وضع القواعد التى تسرى على الرقابة القضائية على القرارات الاجرائية التى يتخذها المكتب فى ممارسته لمهامه. وقد نصت المادة 42 (1) منه على ان القرارات الاجرائية للمكتب التى تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة تخضع للرقابة القضائية من المحاكم الوطنية المعنية وفق شروط و آليات القانون الوطنى.

2- ينبغى هنا وكخطوة اولى فى الحالة محل الدعوى التأكد ان كان القرار المعنى باستدعاء الشهود يندرج تحت مفهوم " قرارات اجرائية تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة." وتجدر الاشارة فى هذا الصدد ان القواعد المستقرة لقانون الاتحاد والحاجة الى تطبيق موحد للقانون عبر كل الدول الاعضاء تقول انه فى حالة قواعد وقوانين للاتحاد لا تتضمن اشارات الى دور للدول الاعضاء فان ذلك يعنى ضرورة تحديد نطاق ومفاهيم تلك القوانين بشكل موحد من قبل الاتحاد ذاته.

3- بالنسبة للمادة 42 (1) المذكورة فانها تنص على ان المحاكم المعنية فى الدول الاعضاء تتولى الرقابة القضائية على قرارات المكتب القابلة لانتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة وفق شروط و آليات القانون الوطنى. مع ذلك فان صياغة المادة لا تتضمن اشارة الى دور هذه المحاكم فى تحديد نطاق مفهوم " قرارات اجرائية تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة."اضافة الى ذلك فان الصياغة و الاطار العام للمادة يتضح منه ان من اهدافها، بشكل خاص، اتاحة التشارك فى الاختصاصات و توزيع المهام والادوار فيما بين المحاكم الوطنية ومحاكم الاتحاد الاوروبى لغرض ممارسة الرقابة القضائية على انشطة المكتب.

4- من هنا فان كانت المادة 42(1) تمنح الولاية القضائية للمحاكم الوطنية للقيام بالرقابة القضائية على القرارات الاجرائية للمكتب التى تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة، فان المادة 42 الفقرات من (2) الى (8) تضع قائمة بالحالات التى تكون الرقابة القضائية على انشطة المكتب، على العكس، ضمن ولاية محاكم الاتحاد وبشكل خاص المادة 42 (3) تمنح الولاية لمحاكم الاتحاد للرقابة القضائية على قرارات للمكتب استنادا على الفقرة الرابعة من المادة 263 معاهدة نظام عمل الاتحاد التى، وفى اطار استعراض مهام محكمة العدل للاتحاد فى الرقابة على كافة اعمال وانشطة الاتحاد، اكدت امكانية تحريك الشخوص الطبيعية والقانونية طعون امام المحكمة ضد اى قرار موجه لها او يكون ذو مصلحة شخصية ومباشرة لها، و اى قرار تنظيمى يكون ذو مصلحة لها ولا يترتب عليه اجراءات تطبيقية. بالتالى "قرارات اجرائية" ووفق مفهوم المادة 42 (1) هى قرارات تكون الرقابة القضائية عليها، من حيث المبدأ، ضمن ولاية المحاكم الوطنية، باستثناء القرارات المغطاة بالمادة 42 (3) من قانون انشاء المكتب.

5- يستتبع ذلك ان مفهوم "" قرارات اجرائية تستهدف انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة" هو مفهوم مستقل من قانون الاتحاد يجب ان يخضع لتفسير موحد لضمان، وعبر الاتحاد ككل، توزيع منطقى للمهام بين المحاكم الوطنية ومحاكم الاتحاد فيما يخص ممارسة الرقابة القضائية على انشطة المكتب.

قانون الاتحاد والاثار القانونية لاستدعاء الشهود 

1- يجب دراسة ان كان استدعاء شهود يندرج تحت المفهوم المشار اليه عاليه، ولا خلاف بين كل الاطراف حول الجزئية الاولى التى تشترط وفق قانون الاتحاد ان يكون القرار "قرار اجرائى تم اتخاذه فى اطار تحقيقات" وهو ما ينطبق على قرار استدعاء الشهود فى الحالة المعنية هنا. اما الجزئية الثانية الخاصة بجانب "انتاج القرار لاثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة"، فيجب الرجوع مرة اخرى الى المعيار الذى وضعته وتم الاشارة اليه عاليه فى الماة 263 معاهدة نظام عمل الاتحاد لتعريف نطاق القرارات التى يمكن الطعن عليها امام محاكم الاتحاد و هى ان تكون القرارات موجهة لاصحاب الطعن او تخصهم بشكل مباشر وشخصى.

2- اضافة الى ذلك يستخلص من المادة 42 (1)، وفى اطار المخطط العام لقانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى والغرض من المادة، ان، واستنادا على معيار مناظر للمشار اليه فى المادة 263، المشرع الاوروبى لم يكن غرضه حصر الرقابة القانونية فى قرارات اجرائية معينة، وانما توسيع نطاق تلك الرقابة لتغطى كل القرارات الاجرائية االتى تستهدف انتاج اثار قانونية ملزمة قابلة للتأثير على مصالح اطراف ثالثة من خلال احداث تغيير فى موقفهم القانونى بما فى ذلك تلك المتخذة خلال تحقيقات جنائية. فى ضوء ذلك ايضا فان "اطراف ثالثة" وفق المادة تعنى فئة من الافراد لا تنحصر فقط فى "المتهم" او "الضحية" وانما اطراف معنية اخرى تكون حقوقهم معرضة للتأثر بتلك القرارات.

حماية الحقوق فى المنظومتين الاوروبية والوطنية

1- انتقالا الى تحديد ان كان قرار استدعاء الشهود يستهدف انتاج اثار قانونية قابلة للتأثير على حقوق اطراف ثالثة، فلا يمكن القيام بذلك نظريا او بشكل عام وانما عبر تطبيق عملى للمعايير المذكورة عالية على الحالة محل الدعوى. وبالرجوع الى قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى يبدو واضحا ان الرقابة القضائية على القرارات الاجرائية الغرض منها ضمان التزام المكتب ليس فقط بالحقوق الاساسية للافراد المعنيين وفق قانون الاتحاد، وانما ايضا الحقوق الاجرائية الممنوحة لهم من القانون الوطنى. ويلاحظ فى هذا الصدد ان المشرع الاوروبى التزم فى اصداره لقانون انشاء المكتب بمبدئى الوكالة والتناسب[13] حيث قام بوضع الحدود الادني لتدخل الاتحاد (بما يتناسب ولا يتعدى الغرض المطلوب تحقيقه) وترك للمنظومة القانونية للدول الاعضاء مساحة واسعة لتحقيق الغرض المنشود.

2- يظهر هنا الدور الرئيسى للمحاكم الوطنية والقانون المحلى الاكثر قدرة على التعرف على الحقوق الاجرائية الواجب حمايتها وفق القانون المحلى وتحديد ان كان استدعاء الشهود يستهدف انتاج اثار قانونية ملزمة قابلة للتأثير على مصالح الافراد اصحاب الطعن على القرار، كما هى الحالة هنا. اذا كان هذا هو الوضع تتم الرقابة القضائية من قبل هذه المحاكم وفق المادة 42 (1) من قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى. وقد ترك هذا القانون للمشرع الوطنى تحديد كيفية تطبيق الرقابة القضائية ونص على امكانية تحقيق ذلك بدعوى مباشرة وفق شروط وآليات القانون الوطنى طالما تم الالتزام بالمواد 47 و48 من الميثاق، ولا يستبعد القانون الاوروبى ايضا التعامل مع ذلك بشكل عرضى.

3- وما سبق يؤكد على اهمية مبدأ الاستقلالية الاجرائية المعمول به فى قانون الاتحاد الاوروبى (Procedural Autonomy of the Member States ) حيث يجب تفسير المادة 42(1) على نحو ان الدول الاعضاء تتمتع بحرية وضع القواعد الاجرائية الوطنية لادارة ممارسة قانون الاتحاد، مع ضرورة احترام فى نفس الوقت مبدئى "الفاعلية" و "المعادلة" بحيث يترك وفق هذا المبدأ للمنظومة القانونية المحلية بكل دولة عضو وضع القواعد الاجرائية التى تنظم الحماية القانونية اللازمة فى القطاعات المغطاة بقانون الاتحاد، شريطة الا تكون تلك القواعد، فى القطاعات المغطاة بالقانون الاتحاد، اقل تفضيلا عن الحالات المحلية المماثلة ( مبدأ المعادلة) والا تجعل تلك القواعد من المستحيل او من الصعب للغاية عمليا ممارسة الحقوق الممنوحة من القانون الاتحاد ( مبدأ الفاعلية).

4-  وقد تم الاشارة فى هذا الصدد ان المحكمة الاسبانية ذاتها ابدت شكوكها حول احترام القواعد الاجرائية الوطنية لمبدأ "المعادلة" حيث اوضحت ان الشخوص محل تحقيقات من مكتب المدعى العام الاوروبى فى وضع اسوأ من الشخوص محل تحقيقات من قبل قاض تحقيق اسبانى، نظرا لان التشريع الوطنى السارى على الرقابة القضائية على القرارات الاجرائية للمكتب يستبعد امكانية تحريك دعوى مباشرة ضد قرار استدعاء الشهود، فى حين يوفر التشريع الوطنى السارى على الرقابة القضائية لقرار مماثل لقاضى تحقيق امكانية الطعن امام ذلك القاضى او محكمة اعلى درجة.  

 

الحكم الصادر

فى ضوء العرض السابق اصدرت المحكمة الحكم التالى:

 

" المادة 42 (1) من القاعدة (  2017/1939  ) الخاصة بتطبيق تعاون معزز حول انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى، عبر قراءتها فى ضوء الفقرة  الفرعية الثانية من المادة 19 (1) من معاهدة الاتحاد الاوروبى، المواد 48 و48 من ميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبى ومبدئى المعادلة والفاعلية،

 

يجب تفسيرها بمعنى ان قرار يقوم من خلاله، وفى اطار تحقيقات، المدعى العام الاوروبى المفوض المتعامل مع الدعوى المعنية باستدعاء شهود للمثول امامه هو محل مراجعة قضائية من المحاكم الوطنية المعنية، اتساقا مع المادة 42 (1)، اذ ما كان ذلك القرار الغرض منه انتاج اثار قانونية ملزمة قابلة للتأثير على مصالح الاشخاص اصحاب الطعن على القرار، مثلما هو الحال بالنسبة للاشخاص محل تلك التحقيقات، من خلال انتاج تغير حقيقى فى موقفهم القانونى.

 

فى تلك الحالة، القانون الوطنى ملزم بضمان ولهؤلاء الاشخاص الرقابة القضائية الفاعلة على ذلك القرار، على الاقل عبر تعامل عرضى، اذا ما كان ذلك متاحا، من جانب المحاكمة الجنائية .

 

مع ذلك، تطبيقا لمبدأ المعادلة، حين تكون احكام اجرائية وطنية متعلقة بقرارات محلية مماثلة تفتح الباب امام امكانية الطعن على قرار مماثل بدعوى مباشرة، مثل هذه الامكانية يجب توفيرها ايضا لهؤلاء الاشخاص."

 

التعليق

1- تكتسب هذه الدعوى اهمية خاصة لعدة اعتبارات، فى مقدمتها انها تنصب على شكل خاص من اشكال التعاون فى منظومة الاتحاد الاوروبى يطلق عليه "التعاون المعزز"(Enhanced Cooperation )   

والذى تم وضع قواعد خاصة له لتحقيق تنسيق وتعاون فى مجال ما لا يبدو وان هناك اجماع بين الدول الاعضاء فى التحرك نحوه. هذا النوع من التعاون تتناوله المادة 20 من معاهدة الاتحاد الاوروبى والباب الثالث من معاهدة نظام عمل الاتحاد، و هو آلية تبدأ حين يسمح لعدد 9 دول كحد ادنى باطلاق تكامل او تعاون اكثر تقدما فى مجال محدد وفى اطار الاتحاد وليس خارجه. الترخيص باطلاق تعاون معزز يمنح من المجلس كحل اخير لدى الفشل فى تحقيق الاغلبية المطلوبة لتمريره، وذلك بناء على مقترح من المفوضية وبعد الحصول على موافقة البرلمان الاوروبى. هذا الشكل من التعاون هو ما اسفر عن انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى، فى ابريل 2017 بمشاركة 14 دولة، وانضمت اليه دول اخرى فيما بعد ليصل العدد حاليا الى 24 دولة.

2- اضافة الى ذلك فان موضوع الدعوى والاستفسارات المطروحة وتناول محكمة العدل لمعطيات الدعوى تضمن عرضا واسعا وقيما للعديد من المبادئ والمفاهيم والقواعد التى تقوم عليها المنظومة القانونية للاتحاد، ليس فقط من حيث التعريف وانما ايضا من حيث التطبيق العملى لها. مبادئ مثل الرقابة القضائية الفاعلة على كل القرارات التى تمس المواطنين، المعادلة والفاعلية، التعاون الصادق بين المنظومتين الاوروبية والوطنية، مبدئى الوكالة والتناسب، الاستقلالية الاجرائية للمنظومة القانونية الوطنية، احترام الحقوق مثل الحق فى الدفاع والحق فى محاكمة عادلة، وغير ذلك كما جاء فى العرض عاليه.

3- اوضحت الدعوى ايضا اسلوب التعاون والتكامل بين اجهزة الاتحاد وتطبيقاته العملية على الارض بين جهازى المكتب الاوروبى لمحاربة الغش والاحتيال (  OLAF ) ومكتب المدعى العام الاوروبى (European Public Prosecutor’s Office {‘ EPPO’} ) منعا للازدواجية بحيث يتولى الاول محاربة الغش والاحتيال والفساد عبر التحقيقات الادارية الداخلية فى حين يقوم الثانى باجراء التحقيقات الجنائية وتحريك الدعاوى امام المحاكم الوطنية فيما يخص الجرائم الماسة بالمصالح المالية للاتحاد. ويلاحظ من موضوع الدعوى ان المحرك الاول لها كان مكتب الاوروبى لمحاربة الغش والاحتيال عبر الشك فى المطالبات المالية الواردة من الشركة الاسبانية ثم انتقال المتابعة الى مكتب المدعى العام الاوروبى

 


[1] -  تم انشاء انشاء المكتب بالقاعدة  Regulation 2017/1939 فى 12 اكتوبر 2017.

2- المكتب الاوروبى لمحاربة الغش والاحتيال OLAF اسس عام 1999 بالقرار (  Decision 1999/352/EC, ECSC, Euratom ) بهدف اساسى هو محاربة الفساد  وسوء السلوك البالغ داخل مؤسسات الاتحاد وعمليات الاحتيال الضارة بميزانية الاتحاد.

3- قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى (قاعدة المجلس 2017/1939  بتاريخ 12 اكتوبر 2027 ) تنص مادته 27 على حق المكتب فى سحب التحقيقات والتحريات فى دعوى ما من السلطات المحلية فى دولة عضو ونقلها الى المكتب (Right of Evocation) حيث تشير الى انه ولدى تلقى المكتب المعلومات المعنية من السلطات المحلية بالدول الاعضاء عن اية اعتداءات على اموال تعود الى الاتحاد من السلطات المحلية فيمكن للمكتب النظر فى استخدام هذا الحق من عدمه و فى حالة استخدام الحق تقوم السلطات المحلية باحالة كافة المستندات الى المكتب والامتناع عن اية تحقيقات او تحريات.

[4] - الدعوى  C‑292/23 بتاريخ 3 مايو 2023

[5] - فى اطار قانون الاتحاد الاوروبى مبدأ المعادلة (Equivalence ) ينص على مطالبة الدول الاعضاء بعدم معاملة الموضوعات الخاضعة لقانون الاتحاد بافضلية اقل من الموضوعات المناظرة الخاضعة للقانون الوطنى وان تتعادل المعاملة فى الحالتين. اما مبدأ الفاعلية                  (Effectiveness ) فان المقصود به ان تضمن المنظومة القانونية الوطنية فاعلية قانون الاتحاد من خلال عدم وضع قواعد اجرائية تجعل من المستحيل او من الصعب للغاية التمتع بالحقوق التى يمنحها قانون الاتحاد.

6- ميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبى (Charter of Fundamental Rights of the EU) صدر فى 7 ديسمبر 2000 وان كان لم يكتسب القيمة القانونية الكاملة سوى مع دخول معاهدة لشبونة حيز التنفيذ فى الاول من ديسمبر 2009، ويشار اليه عادة بعبارة "الميثاق".

7- مبدأ التعاون الصادق (  Sincere Cooperation ) تم النص عليه فى المادة 4 من معاهدة الاتحاد الاوروبى ويؤكد على ان الاتحاد والدول الاعضاء سوف يعملان، وبكل الاحترام المتبادل، على تقديم الدعم لبعضهما البعض فى تنفيذ المهام الناشئة عن المعاهدات.

8- المادة 42 (1) من قانون انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى تنص على ان " القرارات الاجرائية لمكتب المدعى العام الاوروبى التى يكون الغرض منها انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة سوف تخضع للرقابة القضائية من جانب المحاكم الوطنية المختصة وفق الشروط و الآليات التى ينص عليها القانون الوطنى. نفس المبدأ يسرى على فشل مكتب المدعى العام الاوروبى فى اصدار قرارات اجرائية يكون الغرض منها انتاج اثار قانونية فى مواجهة اطراف ثالثة والتى كان المكتب مطالبا قانونا وفق قانون انشاء المكتب باصدارها.

9- الفقرة الفرعية الثانية من المادة 19(1)، معاهدة الاتحاد الاوروبى، تنص على ان الدول الاعضاء سوف توفر الرقابة القضائية الكافية لضمان الحماية القانونية الفاعلة فى القطاعات المغطاة بقانون الاتحاد الاوروبى.

10- المادة 86 ( 3) معاهدة نظام عمل الاتحاد تتناول انشاء مكتب المدعى العام الاوروبى وتأتى فى اطار " التعاون القضائى فى الموضوعات الجنائية" بين الاتحاد والدول الاعضاء وتنص على قيام الاتحاد باصدار القوانين التى تنظم عمل المكتب.

11- المادة 2 من معاهدة الاتحاد الاوروبى تسرد القيم التى يقوم عليها الاتحاد وهى احترام كرامة الانسان، الحرية، الديموقراطية، المساواة، حكم القانون واحترام حقوق الانسان، بما فى ذلك الافراد المنتمون الى اقليات.

12- المادة 47  من الميثاق تغطى الحق فى الرقابة القضائية الفاعلة والمحاكمة العادلة ( Right fo an Effective Remedy and to a Fair Trial) فى حين تتضمن المادة 48 مبدأ افتراض البراءة والحق فى الدفاع (  Presumption of Innocence and Right of Defence ) .

13- مبدئى الوكالة ( Subsidiarity  ) و التناسب ( Proportionality ) يحكمان ممارسة الاتحاد لاختصاصاته:

الوكالة: فى المجالات خارج الاختصاص الحصرى للاتحاد (  Exclusive Competence ) يسعى هذا المبدأ الى حماية قدرة الدول الاعضاء على اتخاذ القرارات والقيام بانشطة ويصرح بتدخل من جانب الاتحاد حين لا يكون من الممكن تحقيق اهداف عمل ما بالقدر الكافى من جاب الدول الاعضاء، وانما يمكن تحقيقها بشكل افضل على مستوى الاتحاد فى ضوء حجم واثار العمل المقترح.

التناسب: يضع حدود لتدخل الاتحاد بحيث لا يتعدى القدر المطلوب لتحقيق الاهداف وان يكون التدخل ضروريا والا يضع اعباء على الافراد تتسم بالمبالغة ارتباطا بالغرض المطلوب تحقيقه .

 

[6] 

 

 

 

 

 

 

 

 

منذ 5 أيام

14 min read

0

0

0

Comments

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.

© 2035 by Ryan Fields. Powered and secured by WWix

    bottom of page